الاثنين، 11 مايو 2015

المراجع

المراجع :
*أدب ، الموسوعة العالمية للشعر العربي
*كتاب دراسات نقدية لشعر محمد علي السنوسي
*كتاب  المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية
المؤلف: علي علي مصطفى صبح
الناشر: تهامة -جدة-المملكة العربية السعودية
الطبعة: الأولى 1404هـ - 1984م*
*المكتبة الشاملة 

السبت، 2 مايو 2015

خصائص شعر السنوسي

      ١/أنه كثير الأغراض الشعرية العميقة،                ٢/ومتعدد الاتجاهات في الأهداف الدقيقة،                ٣/ ومتشعب الموضوعات ،                   ٤/غزارة شعره ،                                
                ٥/إنه شعر الأمة العربية الإسلامية التي يحيي فيها أمجادها وآمالها، ويذود عنها ويدافع في سبيلها.

(العنود الحربي )

شاعر العروبة و الإسلام

أطلق على محمد علي السنوسي شاعر العروبة و الأسلام .. !

شاعرالعروبة :

لان من ينظر إلى دواوينه يجد قصائده تنبض بالعروبة فهو الذي يقول :

إن العروبة إحساس وتضحية        ووحدة وشعور في دم وفم

وهو الذي يفخر بعروبته فيقول :

ألم تعلمي أن (العروبة) نورها       على كل أفق كوكب وشهاب

ومثل هذا لا يستغرب على ابن شبه الجزيرة العربية  حفيد شعراء القبائل الأولين الذين كانوا من المدافعين عن عروبتهم وقبائلهم يهتفون بأمجادهم ويفخرون بأنسابهم .

وكان السنوسي يتخذ القصيدة سلاحا يقاتل به في معارك العروبة ضد الأستعمار و الصهيونية و التخلف و الفقر ، وما من محنة ألمت بالأمة العربية أو أحد أقطارها وما من مؤامرة حيكت لها إلا وكان السنوسي يشرع لها من شعره القوي مايذكر الأمة العربية بخصالها الكريمة و أبطالها السابقين ويزيد من لهيب حماس أبنائها ويقوى من عزائمهم حتى يستطيعوا تجاوز هذه المحنة أو القضاء على تلك المؤامرة .
فكان السنوسي من الداعين للوحدة العربية المبشرين بها مؤمنا بحتمية الوحدة كضرورة لتحقيق الرخاء الشامل و الحياة الكريمة المستقلة للعرب فهو الذي قال عن الوطن العربي :
تتباين الأسماء في تعريفه          كالجسم وهو موحد الأعضاء

شاعر الإسلام :

أن السنوسي شاعر الأسلام وهذه حقيقة تؤكدها أيضا أشعاره ولا يغيب عن أذهاننا أن السنوسي كان يربط بين بين العروبة والأسلام ولا يرى اختلافا بينهما بل يراها شيئا واحدا يقول :

وما العروبة والإسلام إن نظرت    عيناك إلا سنا وجه لدينار

وكان السنوسي يعتز بإسلامه اعتزازا شديدا ويدافع عن الإسلام بحماسة ، ويرد على كل أعداء الإسلام ويكشف زيف أفكارهم ويبصر الأمة الإسلامية بمزالق الخطر .

وبذلك كان من الشعراء الذين حملوا لواء الدعوة  للوحدة العربية و الإسلامية  . 




(دعاء مدخلي)




الجمعة، 1 مايو 2015

التجديد والمحافظة في شعر السنوسي


يعتبر السنوسي من رواد مدرسة التجديد المحافظ ، وهو في تجديده يحافظ على الأصالة العربية الإسلامية في المعاني والأغراض ، و الألفاظ والأساليب ، و الوزن والقافية وغير ذلك .
اتسمت ألفاظه بالجزالة والقوة والفخامة ، وكلماته بالسهولة المنسابة ، فجاءت أساليبه متينة محكمة ، وتراكيبه رصينة متلاحمة ، ونظمه دقيق مليء بالمعاني والإيحاءات الشاعرية .
نبع شعر السنوسي من عاطفته الصادقة  بألفاظ حية أخذت مكانها من النظم مبتعدة عن الوحشي الغريب وتنافر الحروف وثقلها ؛ لأن الشاعر متمكن من اللغة  ، جامع لأعنة الأسلوب العربي الرائع .
قال عنه في هذا الشأن الأستاذ محمد سعيد العامودي :
(( أعتقد أن لثقافة السنوسي المتعددة الجوانب أثرها في شعره بصورة عامة إلى جانب موهبته الفنية المعطاءة ، ولعله من هنا يبدو لنا ما نلمسه في شعره غالباً من نبض في الأسلوب ، و حيوية في الألفاظ و عمق في المعاني ، وسمو في الأغراض ))   .
و قال عنه الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري :
(( هو شاعرنا الذي تعتز به المملكة العربية السعودية، وتضعه في الصف الأول من بين شعرائها الأبرار.. شعراء الشباب المبدعين.. شعراء الأدب الرفيع، واللسان العف، والضمير النقي من الشوائب والأوضار ))
و أقرب شعره إلى الأصالة العربية التي تسير منهج الفحول من الشعراء القدامى ديوانه الأول ( القلائد ) يقول في شذى الرياض" ، منها :
هب نفح الصبا فقم حي نجدًا ... وتنشق شذى الرياض المندى
واعتصر من هواك لحنًا ذكيا ... ريقًا كالنسيم صفوا وبردا
وتمهل فهذه جلبة الشعر ... ومجرى الجياد قبسًا وجردا
سرح الخاط المشوق وجدد ... "امرأ القيس" والنوابغ عهدا
تلك آثارهم وهذي مغانيهم ... وروض الشباب ما زال يندى
كلما هبت الصبا هبت الروح ... طيوفًا وردّد الفكر أصدا
نفحات من الفراديس رفت ... أقحوانًا وأرجوانًا ورندا
عب منها الهواء عطرًا وذابت ... فوق صدر الفضاء مسكًا وندا
أرج شيق العبير وروح ... عطر الكون بالجمال وندى
يسكب النور والعطورويضفي ... من ظلال النخيل والروض بردا
حي لحن الصباح وأبسط ذرا ... عيك وضم النسيم شوقا ووجدا
وامتزج بالصبا الشغوف وقبل ... نفسا قبل الخمائل خدا
نسج الفجر في غلائله الطل ... وجاك السنا حريرا وسدى
واصطفاه "رسالة" من ريا ... نجد وأنفاسها سلامًا وودا
ترد "النيل" و"الفراتين" و"الأرز" ... و"غمدان" و"الخليج" و"بردى"
وترود الضفاف تهمس "للزيتو ... ن" نجوى و"للجزائر" وعدا
 تعود بنا هذه الأبيات إلى عصر أبي تمام والبحتري وابن المعتز والمتنبي وغيرهم من فحول الشعراء لما تضمنته من سماتهم الشعرية و الروحية .
ألتزم السنوسي بالأوزان الخليلة و القافية فهو يعد الخروج على عمود الشعر في الموسيقى تمردًا على الأصالة ، وتمزقًا لطبيعة الشعر الأصيل المتميز على النثر الأدبي ، والشعر المنثور .
و أقصى ما خرج به الشاعر عن السمت الخليلي هي الموشحات الأندلسية كالمخمسات، والمقطعات الشعرية، التي تختلف فيها القافية في كل مقطع مع الاحتفاظ بالبحر العروضي حتى نهاية القصيدة في كل المقطعات ، مثال ذلك قصيدة " عودة الماضي " ، و قصيدة " اتمنى " .
وبهذا يحافظ السنوسي في مذهبه الأدبي على الأصالة العربية الإسلامية في شعره ، وهو في نفس الوقت يجدد في المضمون والمعاني والأفكار والمغازي والأغراض والخيال والصور .

-         منال احمد بن رضوان

رأي الشاعر محمد علي السنوسي في الشعر الحر

    الشاعر السنوسي ضد الشعر الحر فهو لا يؤيده و  يتفجر ثائرًا عليه ، وعلى شعراء التفعيلة، والخارجين على الشعر
    العمودي، وذلك في ثورة عنيفة، ولهيب مشتعل، شاعرًا وناقدًا ومؤرخًا وثائرًا، 
    يقول في قصيدته "الشعر الحر":
    لا العود عودي ولا الأوتار أوتاري ... ولا أغاريدكم من شدوي وأطياري
    من أين جئتم بهذا الطير ويحكمو ... لا الريش ريشي ولا المنقار منقاري
    إني أرى في جناحيه وسحنته ... سمات "اليوت" لا سيماء "بشار"
    وصرت أسمع ألفاظًا مقلقة ... طرق المسامير في دكان نجار
    ألبستموني ثيابًا لا تشرفني ... كأنها فوق جسمي حبل قصار
    سود وحمر وصفر لا انسجام لها ... كرسم "بيكاس" يعي فهمه القاري
    ماذا تقولون: تجديد؟ لقد هزلت ... وسامها كل مهذار وثرثار
    ما الشعر؟ هل هو ألفاظ مسيبة ... بلا قيود رديء للمنطق الهاري
    الشعر هندسة كبرى تكاد ترى ... في النسج واللفظ منه روح فرجار
    والوزن للشعر روح وهي إن فقدت ... أضحى جسادا بلا حس كأحجار
    قصيدة النثر مثل المشي جامدة ... والشعر كالرقص في سيقان أبكار
    ورب حرف صغير الشأن يرفضه ... لحن المشاعر في ترنيم قيثار
    تأبى الحروف التي صيغت نماذجها ... من رعشة الروح في أعماق أسرار
    إن تلتقي معكم في سبق خاطرة ... عرجاء تحجل في ميثاء مهيار
    لكل فن أصول يستقل بها ... شتان ما بين سباك وعمار
    تبينوا بعض ما تبغون وانطلقوا ... في الروض ما بين أزهار وأثمار
    وجنبونا غثاء لا جمال له ... ولا رواء ولا يوحي بإكبار
    إن كل لابد من فن نجدده ... فجددوا في مضامين وأفكار
    وأنطقوا الصخر في ترنيم قافية ... كرعشة الضوء في لمع السنا الساري
    حرية الشعر في إشراق فكرته ... وفي تساميه عن لغو وإقذار
    وأن يكون لكم في كل معترك ... رأي جهير وعزم غير خوار
    أما كفى أننا فقر ومخمصة ... نستورد الغرب نيكلًا بخسًا بدينار
    والشعر نور ونار والنفوس لها ... طبع الفراشات عشق النور والنار
    ورب ذي قلم أعطى لأمته ... ما ليس يعطيه فيها نهرها الجاري

    فالسنوسي شاعر عمودي يسير على درب القدماء في المحافظة على البحر العروضي الخليلي، والالتزام بالقافية؛ لأنها روح الشعر، ودونها يكون جسدًا بلا روح، وجمادًا لا يشعر ولا يحس، بل نثرًا يقوم على توقيعات جامدة.
    فالشعر العمودي يحقق في وجدان القارئ براعة الاستهلال كما يتسلل إلى مكنون النفس البشرية في سرعة فائقة 

    (دعاء مدخلي)

أغراضه الشعرية


الغرض الديني 




هذا الغرض الأدبي هو الغرض الأول من ناحية الكثرة لدى محمد علي السنوسي إيمانًا بعقيدته، وتمجيدًا لمقدسات الإسلام وشعائره، وسموًّا بمبادئ الأسلام و تعاليمه ، وتصويرًا لقادة الإسلام، ودفاعًا عن تشريعاته وحرماته، وثناء على حماة الاسلام ودعاته، وحرصًا على العمل به، والجهاد في سبيله .


والشعر الإسلامي عند السنوسي عميق في جوانبه وخصب في معانيه واتجاهاته، وواسع الأفق  ، تزهر تحت سمائه الإسلامية قضايا العالم الإسلامي والعربي، والحق الإنساني بصفة عامة .


فالشعر الأسلامي عند الشاعر له اتجاهين :

الاتجاه الأول:

وهو الشعر الإسلامي الذي يتناول الرسول محمدًا -صلى الله عليه وسلم، وأصحابه -رضي الله عنهم جميعًا، والتشريع الإسلامي وحضارته، وتعاليم الشريعة الأسلامية .

ولقد تحقق في شعره حبه الكبير للإسلام و المسلمين وحرصه الشديد على الدعوة الإسلامية من خلال إبداعه الشعري .
إن التيار الإسلامي يتجلى بشعره واضحا جليا من خلال تشبثه الشديد بالدين و تمسكه بالقرآن الكريم وحرصه على الاقتباس من جلاله و بهائه و ألفاظه العظيمة في إبداعه الشعري .
نحو قوله :

وكــــنـــا خـــيــــر أمــــــة خلالا      بــــديــــن محمد متمسكينا 

اقتباسا من قوله تعالى :
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)


وقد احتوى هذا الاتجاه قصائد كثيرة مثل :
قصيدة "الرسالة والرسول" من ديوان (الينابيع ) يقول:

من الجزيرة من أرضي ومن بلدي ... تألق النور نور الحق والرشد

ومن رباها رباها الطاهرات ثري ... أبيض تنفس الصبح من بدر ومن أحد

نور تألق من نور فرق به قلب ... الحياة ونض الصخر بالبرد

وفاض عبر شعوب الأرض مندفقا ... يحيي القلوب ويشفي ثغر كل صدى

جرى فأخصبت الدنيا ندى وهدى ... تمازجا كامتزاج الروح بالجسد

وأشرفت "بابن عبد الله" واتلقت ... "رسالة الله" زاه نورها الصمدي

"محمد" خير خلق الله قاطبة ... خَلْقًا وخُلقًا على السراء والنكد
نديم "جبريل" يسقيه فما لفم ... "وجبا" يرتله شاد إلى غرد
أحلى من الشهد آيات مفصلة ... تهدي إلى البر في قول ومعتقد
تنزلت بالهدى والنور في لغة ... تلألأت بمعان فذة جدد
تبلى الدهور ولا تبلى نضارتها ... صفاء لفظ ومعنى خالد أبدي


وقصيدة "ثاني اثنين" ،من خمسين بيت  يصور فيها عظمة الصديق -رضي الله عنه- ومطلعها :


يا ثاني اثنين في دار هي الغار ... إن اختيارك للمختار مختار

ويا رفيق الهدى والليل معتكر ... والأرض ترجف والأهوال إعصار


وهكذا يمضي الشاعر مع الصديق صاحبًا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومصدقًّا ومهاجرا ومؤازرًا، وخليفة للمسلمين

وقصيدة "دعوة الحق" يقول:


على التاريخ أن يصغي إلينا ... ويملأ سمعه مما لدينا

فنحن حماته سلمًا وحربا ... ونحن بناته دينًا ودنيا

ونحن هداته قولًا وفعلا ... ونحن كماته شدًّا ولينا

أضاء على منابرنا نجومًا ... وأطلق في مواكبنا لحونا

وكنا خير أمته خلالًا ... بدين محمد متمسكينا

طريقًا واضحًا لا أمت فيه ... ولا عوجًا هداة مهتدينا

فماذا ينقم الأعداء منا ... وماذا يدعون ويفترونا
سوى إيماننا بالله ربًّا ... وبالإسلام تشريعًا متينا
أَبِي الإسلام ينبزنا الأعادي ... كفى شرفًا بذلك لو يعونا
لنا إسلامنا ولهم هواهم ... سواء كان "مركس" أو لينينا
فقد وضح الطريق لكل سار ... وكان الحق منبلجًا مبينا
أترحمني يد بالأمس كانت ... تضافحني وتملئني يقينا
ويغدر بي أخ قد كنت أسمو ... به ظنًّا وأحسبه أمينا
ومن هدي الجزيرة وهي مهد ... لنور محمد في العالمينا
تطلعت الشعوب إلى شعاع ... محا ظلماتها والظالمينا



الاتجاه الثاني :

:

ويتناول فيه السنوسي الجهاد في سبيل الإسلام والدفاع عن مقدساته وتشريعاته، والذود عن المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، ودفع الظلم عن الإنسان في كل مكان، ويتناول أيضًا قضية الحرية، وتحرير أراضي المسلمين والأرضي المقدسة، وحث المسلمين على الجهاد في سبيلها، والوقوف صفًّا واحدًا أمام الطغاة المستعمرين , وقضية المؤاخاة بين أفراد الأمة الإسلامية ، والتضامن في سبيل نصرة الإسلام ورد حقوق الإنسان.



 ديوان  "القلائد"  اشتمل على قصيدة "حطم المارد القيود" بمناسبة "جلاء" الإنجليز عن جزء من أجزاء الأمة الإسلامية العربية، عن مصر عام 1954م، ومطلعها:


هتفت والشعور روح وراح ... ويك غرد فقد أضاء الصباح
الصباح الذي له من منى النفس ... انبلاج ومن هواها انصياح
قف على قمة الزمان مع التاريخ ... واهتف يهزك الارتياح
وتأمل شواطئ النيل والبشرى ... على ضفتيه والأفراح
هدأت ثورة الخصم وقرت ... ونجا بالسفينة الملاح
وثبت "مصر" وثبة في سماء ... يحسد البرق في مداها الرياح
إنها وثبة يرن صداها ... عاليًا ملؤها العلا والنجاح
هزت "الغرب" في محافلها الكبرى ... وقد صفقت من الشرق راح
وعلت راية العروبة شماء ... يزين السماء منها وشاح
إلى قوله:عبروا عن مرادهم في "حلاء" ... يدعم الحق في سناه الكفاح
طلبوا الموت في ثراها ففازوا ... بحياة كريمة لا تتاح
حطم المارد القيود فلا النيل ... فرات ولا "الفرات" قراح
لا "قناة السويس" حوض ولا ... "البيضاء" روض ولا "البريمي" مراح
قد تلظى اللهيب في كل فج ... رق فيه الصبا ورف الأقاح
واعتصمنا بعروة الوحدة الوثقى ... وشدت على القلوب الصفاح
وأضاءت لنا الطريق معان ... وأمان غر وضاء وصاح
وانطلقنا تهز أقدامنا الأرض ... ويطوي السماء منا جناح 
    هدف واحد تلاقت عليه ... مهج حرة النيات صحاح

وهكذا إلى آخر القصيدة في فرحة الانتصار لعضو من أعضاء جسد الأمة الإسلامية 
.
 و قصيدته التي في ديوان "نفحات الجنوب"  نظمها الشاعر في "إرتيريا الباسلة
   وهي تصور كفاح المسلمين ضد أعداء الإنسانية والإسلام

مطلعها :
ثورة الشعب من رحاب مصوع ... ثورة نورها من الحق يسطع
إنها ثورة الغياري على الإيمان ... والعرض تستباح وتصرع
إلى قوله:فأفيقي "أديس أبابا" أفيقي ... فجرنا يصدع الظلام ويصفع




الغرض الوجداني :

هو الغرض الثاني عند السنوسي، جاء بعد الشعر الإسلامي الثاني من ناحية الكثرة
 ولم يكن هذا الغرض غزلًا بالمعنى المعروف في الشعر العربي وأنما  شعره في الغزل شعر وجداني تأملي 
ولهذا كان الشعر الوجداني والتأملي لا يشمل الغزل وحده، ولكن قد يصور فيه الشاعر تأملاته  
في الحياة.
.
وشعر الوجدان والتأمل عند الشاعر  هو وجدان  استغرق في تأملاته العاطفية بلا هبوط ولا إسراف، بل في اتزان الشاعر الذي يعبر عن وجدانه في صدق فني، وترفع عن الإسراف البالغ؛ لأنه وجدان شاعر يحب ويهوى، لكن في أدب وخلق وعفة واتزان والتأمل في أعماق النفس
.وعلى هذا فشعر الوجدان يشمل جوانب أخرى غير حب المرأة، مثل حب الحياة وحب الناس، 
وحب الطبيعة، وحب الإنسان وحب المبادئ السامية، وغيره .

والشعر الوجداني جاء في ديوان "القلائد" متمثلًا في قصيدة "عودة الماضي يصور فيها وجدانه 
في الماضي، في تأملات وهي تسير على نظام المقطعات، يقول: 
في لحظة من لحظات الهوى ... والنفس في فردوس أحلامها
تهتز أشجانًا وتهفو جوي ... على لياليها وأيامها
تلوذ الماضي بها وانزوى ... في صور الذكرى و"أفلامها"ماضي برغمي قد مضى وانطوى ... بلحن أيامي وأنغامها
لاح لعيني وفي ناظري ... ظلال أيام براها الضنى
وفي سماء الفكر من خاطري ... أضواء "حب" قرمزي السنا
أحبابه في عالم ساحر ... وردية أحلامه والمنى
صبابة من حلم عابر ... دنا كلمح البرق ثم انثنى
....
هيجت قلبًا لج في كبره ... جفا الهوى والنفس تشتاقه
صد وملء الكف من بدره ... ما يستشير القلب إشراقه
مالي وقد مالت على صدره ... أغصانه خضرًا وأوراقه
إذا هفا يومًا إلى زهره ... أبت معانيه وأخلاقه

وهكذا يتأمل الشاعر في أعماق نفسه عن وجدان يلتهب في ذكريات الماضي، فيعيد صورها ويستعرضها ، من غير ابتذال ولا تكلف .

وقصيدة "طبيب العيون  ويقول فيها ::

يا طبيب العيون شكوى عيوني ... من لحاظ حورية التكوين
وهي عين لا تعرف النظر الشزر ... ولم تكتحل بغير الفتون
فترفق بها ففي نومها المكنون ... أسرار عالم مكنون
إن فيها أحلام قلبي وأشواقي ... وأطياف صبوتي وشجون
وهي أغلى من العشيرة والمال ... وأغلى من كل شيء ثمين
إنها يا طبيب نافذتي الكبرى ... على الكون والرؤى والفنون
وهو جسري إلى الحياة ومنطادي ... وفي بحرها العميق سفيني
وهي تصبو إلى الحسين فما تنفك ... نشوى من حسن ذاك الحسين
وهي ترنو إلى الحزين فتبكي ... حزنًا من أسى لذاك الحزين
وهي ترنو إلى المشين فتقذى ... رحمة لا شماتة بالمشين
وهي تواقة إلى كل سطر في كتاب ... وهامش في متون
وهي ماء فكيف تستخرج الماء ... من الماء بالشبا المسنون
كيف تجري السكين فيها وفيها ... رقة لا تطيق همس الجفون
وهي من لفظة تذوب حياء ... من عتاب الهوى ولوم الخدين
فلتكن في يديك أسرار عيسى ... وهداه ومعجزات الأمين
يا إلهي سملت للطب عيني ... وأنت الطيب فالطف بعيني


فالشاعر يتأمل أحاسيسه، ويتجاوب مع وجدانه، وجدان الحب الطاهر، لا في وصف حسي يثير الشهوات والنزوات كما في الغزل الحسي، ولا في غزل عذري يعزله عن الناس والحياة الأعمال، وأنما غزلا تأملي ،



.  والسنوسي إذا أسرف على نفسه في الغزل يكون محتفظًا في تصويره، يقول في 
"حسناء الريف" يقول :

ريفية تهتز أعطافها ... خصوبة من مرح وارتياح
ترعرعت بين ظلال الربى ... ونسمة الوادي وعزف الرياح
تحية مني إلى "غادة" ... هيفاء لفاء كعاب رداح
في الشمس والظل نمت واستوت ... فهي مثال للجمال الصراح
تختال من دل ومن صبوة ... في حسنها النشوان من غير راحل
لا ما رأت عيني على ما رأت ... من الحسان الرائعات الصباح
مثلًا لها في حسنها غادة ... باح لها الحسن بما لا يباح
عينان ما عين المها والظبا ... وقامة ما البان؟ ماذا الرماح؟
 وغرة من غير "تسريحة" ... تربع السحر بها واستراح

وهذه القصيدة هي الفريدة من نوعها في شعر السنوسي ، وقد اجتمع فيها من التصوير الحسي  
    للمرأة ما لم يجتمع في غيرها من شعره الوجداني، ومع ذلك تجد أن التصوير فيها لا يعدو منهج الشاعر في غزله الفحش والابتذال المعروف في شعر الغزل الماجن . 
.
وكان الشعر الوجداني والتأملي لا يشمل الغزل وحده، ولكن قد يصور فيه الشاعر تأملاته في الحياة،

 كما في قصيدته "أمامك الدنيا" يقول:

أمامك الدنيا ترهق القلب والعقلا ... فيا خاطري رفقًا وناظري مهلا
تحير فيها المصلحون وأعجزت ... نهى الفيلسوف الفذ والشاعر الفحلا
طلاسم تعيي الفكر فهمًا فينحني ... خضوعا لها مهما تكبر واستعلى
يعيش بها الإنسان طفلًا وإن بدا ... لعينيه كهلًا ثم يتركها طفلا
إلى قوله:ولذ بحِمَى الإيمان وارض بما قضى ... به الله واعلم أن حكمته أعلى
فللدين فضل في الحياة لأنها ... بغير الهدى تغدو جحيمًا به نصلى
وثق أن من أعطى الحياة جمالها ... وأقواتها لم يهمل الدود والنملا

وقصيدة "لمع السراب" التي يقول فيها:

أرح عينيك من لمع السراب ... وقلبك من أمانيه العذاب
وعد عن قشور وإن تراءت ... رقاقًا في الضباب وفي السحاب
فقد فاض الطلاء على حياة ... تفيض بها الكئوس بلا شراب
يضوع عبيرها من غير عطر ... وتزخر كالبحور بلا عباب
وتزهو بالرياض بلا زهور ... وتزهو بالثمار بلا لباب


( دعاء عواجي مدخلي )



...
غرض الرثاء:

سار السنوسي على نهج القدماء في غرض الرثاء ، إذ غلب عليه سمة  العزاء وهو النفاذ إِلى ما وراء ظاهرة الموت وانتقال الراحل ، وتأمل فكري في حقيقة الحياة والموت تأمل ينطلق إِلى آفاق فلسفية عميقة في معاني الوجود والعدم والخلود.
 مثال ذلك قصيدة "دمعة وفاء " في ذكرى الفقيد محمد سعيد با مهير، الذي كانت حياته في جازان مثلًا رائعًا للتضحية في سبيل الوطن، ونموذجًا ساميًا من التفاني في خدمة الصالح العام.
وفي قصيدة "أبو حسن " يقول الشاعر في مقدمتها : ((
دمعة حزن وأنه أسى  على فقيد الأدب والنبلوالشهامة
 والمعالي المرحوم   الشيخ محمد سرور الصبان
، الذي وافته المنية في القاهرة )) ، يقول:
"أبا حسن" لا الحزن يجدي ولا الدمع ... وإن كان في قلبي لوقدهما لذع
تصاممت لما قيل مات "محمد" ... سرور قلوب كم به جبر الصدع
فلما تبينت الحقيقة لم أجد ملاذًا ... سوى ما سنه الله والشرع
إلى الله إنا راجعون وكلنا ... سيذهب لا فرد سيبقى ولا جمع
"أبا حسن" ما العمر إلا مسافة ... من المهد حتى اللحد غايتها القطع
مشيت إليها في أناة وحكمة ... بخطو رصين لا غبار ولا نقع
وكنت المجلي سيرة وشمائلًا ... يهيم بها الرائي ويعشقها السمع
مضيت كما يمضي الشجاع مخلفًا ... وراءك ذكرًا دونه الومض واللمع
وأنت العصامي الذي شاد مجده ... بنفس لها في كل مكرمة صنع
تساميت حتى بات كل مثقف ... يجلك إجلال الهوى والهوى طبع
يرى فيك أخلاق الكرام تجسمت ... ممثلة يزهو بها الأصل والفرع
أبا حسن غاض السرور الذي جرى ... على كل قلب من تدفقه نبع
وضوع روض كان في كل مهجة ... بك اتصلت يندي بها النبت والزرع

في هذه المرثية وصف الشاعر مجد و محاسن المرثي الشخصية وشمائله التي اتصف بها وخلقه الكريم الذي تسامى به ، وغيرها من الصفات ، وهذه صفات فردية تتصل بشخص المرثى ، ولم يصورها الشاعر في قيم مطلقة ، بل كان الحزن في الرثاء يتجه إلى شخصه لا إلى الإشادة بالقيم وتمجيدها لذاتها، كما في قصيدة رثاء الملك فيصل والعقاد وغيرهما .
 ظهر إيمان الشاعر بقضاء الله و قدره فليس أمام الإنسان إلَّا أن يلوذ بربه ويرجع إليه ، ويصير ولا يجزع ، فالبقاء لله وحده سبحانه .
 وعلى ذلك يكون هذا الغرض الأدبي من الأغراض القديمة التي سار فيها الشاعر على منهج القدماء في فن الرثاء ، إلا أنه في قصيدته " وا فيصلاه " التي رثى بها الملك فيصل عالج القضايا الإسلامية و العربية ، كذلك قصيدة " العقاد العملاق " أخضعها إلى شعر الحضارة والفكر ، فلم يقتصر على الرثاء .

غرض الهجاء :

خرج السنوسي عن الهجاء التقليدي عند القدماء فهو لا يهجو شخصًا بعينه ، ولا يهجو بألفاظ واضحة في السباب ، أو صريحة في الشتم ، وموضوع الهجاء عنده هو هجاء الانحراف الذي يخالف ما عليه المجتمع من تقاليد وعادات، ويذم التفسح الذي يخرج عن العرف السائد ، فهو هجاء جمعي و ليس فردي مقصور على شخص محدد .
و مثال ذلك قصيدته " القدر الفنان " يقول في مقدمتها : (( رمزنا بها إلى بعض الشباب المتفسح )) ، يقول :
رأيته وهو يمشي مشي فنان ... كأنه فارس في وسط ميدان
يهز عطفيه إعجابًا بحلته ... ويمسح الشعر من آنٍ إلى آن
في "بدلة" تبرز الأعطاف ماثلة ... أركانها وزواياها كفستان
فقلت ماذا أرى يا قوم هل مسخت ... طباع صحبي وإخوتي وأقراني
إني أرى بينكم قردًا فكيف أرتي ... وكيف ألبستموه لبس إنسان
فقال شيخ طريف الروح يعجبه ... حب الفكاهة في جد وإتقان
لا يا أخي إنه "قرد" مثقفة ... أخلاقه عبقري الفكر والشأن
وسوف تسمع منه كل رائعة ... من البيان المصفى والنهى البان
"فكان ما كان مما لست أذكره" ... من الهراء ومن إسفافه الداني
فقلت للشيخ إعجابًا بنكتته ... وبالطرافة في أسلوبه القاني
القرد قرد وإن رقت شمائله ... وإن تعلم نطق الإنس والجان
تراه يرقص في جد وفي هزل ... ليضحك الناس منه مثل "طرزان"
يلغو ويلهو ويأتي من عجائبه ... بالمضحكات كأحلى قرد فنان

جعل الشاعر الهجاء في قضية عامة ، وهي التغيير السلبي الذي سلكه الشباب و خرجوا به عن العرف السائد في عادات قومه وتقاليدهم ، فهو يهجو القضية ذاتها ولا يهبط إلى هجاء شخص بعينه ولا إنسان باسمه ، وإنما يهجو صورة هذا التغير ويسخر من ذلك التطور الذي لم يروق له ولا لمجتمعه المحافظ .
تغلب السخرية على هذه الأبيات ، فالسنوسي ابتعد عن سمات و طريقة الهجاء المعتادة ، فهو لم يصرح باسم و لم يتوجه بالحديث إلى شخص ، بل اكتفى بالتكنية والرمز والإيحاء إلى ما يريد في لفظٍ عفّ ، وتعبير غير مسفّ ، يرتفع السنوسي عن ذكره فيقول مثلًا: "فكان ما كان مما لست أذكره" .
ألفاظ السنوسي في الهجاء ترفعت عن ألفاظ السباب والقبح والفحش إلى العفة و البساطة حتى يوصل رفضه بكل احترام .
و لكي يفيض شعره بالحركة والحيوية ، ويكون أقدر على تصوير السخرية و أوقع في النفس أدار حوارًا بينه وبين شيخ صاحب تجربة وخبرة في السخرية والفكاهة .
والسخرية التي ألتزم بها السنوسي هي أقوى من الهجاء في الشعر ، بل هي المرحلة المهذبة من مراحل تطور الهجاء في الأدب العربي ؛ لأن الهجاء شتم وإقذاع وردع الخصم بألفاظه المعروفة بلا حجة ولا تعليل .
أمَّا السخرية فهي هجاء يقوم على المقدمات والأسباب ، ويستقر في النفس عن تعليل وتدليل ، ويأخذ بالقلب والعقل معًا عن حجة واقتناع .



(منال رضوان )

..



الغرض الاجتماعي:

هذا الغرض لا يحكم عليه بقدمه، بل لا بدّ أن يعتبر محدثاً كون المجتمع الذي يعيش فيه الشاعر يختلف تماماً عن المجتمعات القديمة لأن الشاعر فيه يعبر عن مرحلة تاريخي نابعة من عصره ومجتمعه، لهذا السبب كان الغرض جديد من ناحية الأسلوب والنهج و الموضوعات والمعاني.

نظم في هذا الغرض في قصيدة "صورة شعرية"، و أيضاً قصيدة"كوكب الشرق"، و قصيدة"لكل صابون ليفة"
و هذه الأبيات من شعره الاجتماعي:

يا معالي الوزير إن الوزارة ... علم رائع السنا بل مناره

يرقب الشعب نورها وصداها ... أينما حلَّ ليله ونهاره

مثل ما ترقب المراصد نجمًا ... تجتلي نوره وترعى مداره

ومن الشعب تستمد المعالي ... ما لها من جلالة ونضاره

والوزير العظيم يحتضن الشعب ... وآماله ويلقي دثاره

يتبنى أحلامه وأمانيه ... بـــــروح قوية جباره

بسهر الليل كي يحقق رؤيا ... قومه في تقدم وحضاره

واضعًا عينه على كل فرع ... وجهاز وشعبة وإداره

يتقصى ويستحث ويوصي ... ويهز الكراسي الدواره

ويمد الموظفين بروح ... منه وهاجة تشع حراره


وهكذا إلى آخر القصيدة التي يصور فيها كل وزير في أي بلد كان، ولا في تصويره ما يشير إلى الحدود الوطنية، ولا إلى بلد معين، بل جعل صورته الشعرية إلى كل مسئول وزيرًا كان أو غيره، في تصوير عام يشمل كل من يتحمل مسئولية الشعب، وينوب عن المجتمع في كل مشاكله ويسهر على راحته؛ ليحقق آماله وأمانيه، ويدفع الأذى عنه، ويرفض التأخر والرجعية، وذلك بروحه القوية الجبارة، ويمدده البناء الوهاج، حتى يدفع أمته قُدُمًا إلى الأمام، لترقي إلى مدارج الرقي والحضارة.
وهذا تصوير اجتماعي لكل وزير، بل لكل مسئول في أي موقع من مواقع العمل والإنتاج، في أي بقعة من بقاع العالم، ولذلك احتل شعره الاجتماعي مركزًا عالميًّا، فهو شعر إنساني عالمي بروح إسلامية عالمية، تحب الخير للإنسان في أي مكان، فكان السنوسي الشاعر السعودي الوحيد التي ترجمت قصائده إلى لغة أوروبية، ولعل هذا الجانب الإنساني الإسلامي العالمي في شعره هو الدافع الأساسي لانتشار شعره في العالم الغربي بلغة أخرى غير لغته العربية.


شعر الحضارة الحديثة:

يعد الشعر الذي أنشده في الأدب الحديث والتقدم العلمي ومظاهر الحياة العصرية من الشعر الحديث،فيصور هذه المظاهر وهذا التقدم من خلال مشاعره وخواطره في تجربة مشحونة بالعاطفة القوية التي تجاوبت مع أحداث عصره، واستجابت لسبل التقدم الحضاري، فأخذت مكانتها في شعره بعد أن أخذت مكانتها في حياة الناس العملية والنظرية على السواء،فالشعر القوي النابض والصادق هو قطعة من الحياة التي يعاني تجربتها الشاعر، ومقطع من شريط الدنيا له منزلة كبيرة بمقدار ما يسهم في تطور الحياة ويشارك في بناء حضارتها كجزء من أجزاء التاريخ البشري إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
في ديوانه الأول "قلائد"نجد قصيدة" في موكب الفنيصور فيها السنوسي شخصيات روَّاد الأولمب الخالد، تقديرًا لفنِّهم الشعري الذي يمثل حضارة الأدب السعودي المعاصر، وكانت هذه الندوة في هذه المرة في دار الأستاذ عبد القدوس الأنصاري صاحب مجلة المنهل تكريمًا للسنوسي في 1376هـ، وفيها كوكبة من شعراء الأولمب وأدبائه سبق ذكرهم، وقصيدة "أحمد أمين العالم والأديب المصري الكبير يسمو بما قدمه الرجل للعلم والأدب والنقد في عصره، وهذه أبيات منها:


ثمن المجد أن تعيش غريبًا ... فيلسوفًا أو شاعرًا أو أديبًا


تتحدى عواصف الفكر والرأي ... وتلقي سلم النهى والخطوبا



يا حياة كانت على العلم أزكى ... من حياة الربيع خصبًا وطيبًا



فجرت في مسارب الكون نبعًا ... وهي تستقطر الحياة حبوبًا



"فجرها" و"الضحى" على الأفق ... العلمى مجدًا يخلدان الغروبا



حملت من رسالة الفكر نورًا ... ومضت تنشر اللواء القشيبا



تستثير الحقول من كل فن ... من فنون النهى وتحيي الجديبا

دقة العالم الذي يزن اللفظ ... ويستخلص النضار المشوبا

وخيال الأديب وهو شعور ... جنحت روحه وهبت هبوبًا

أيها الباحث المجدد للشرق ... تراثا يحيى النهى والقلوبا

عجب هذه الحياة وسر ... أعجز العلم كشفه والطبيبا

في رحاب الوجود تحتل ذكراك ... مكانًا من الخلود رغيبًا

عاليًا عاليًا تمر به الأيام حسرى ... والدهر يمشي دبيبا

ومثل هذا الغرض الجديد في شعر السنوسي يسمو بالشاعر إلى منزلة رفيعة بين شعراء العصر الحديث، الذي يعيش مع عصره بعقله وقلبه ووجدانه وعاطفته وأدبه 
وتصويره الشعري.




(أشواق الغامدي)

..
   

غرض المدح  

خصائص شعر المدح عند السنوسي
1-لا يتكلف القول
 2-ولا يقول ما لا يعتقد
3- ولا يمدح إلَّا من يستحق المدح، ولا يثني على أحد إلا بما هو أهل الثناء والتقدير، ولا يمدح إلَّا من يرى أنه أهل للمدح
 3-كان صادقًا في مدحه
4-قوي العاطفة في ثنائه وتقديره
5-خصبة في معانيها وخيالها وصورها الأدبية كالشأن في سائر الأغراض الأدبية في شعره.

اهم الدواوين السنوسي  التي اشتملت علي المدح:
·         الأغاريد
·         أزاهير
·         الينابيع

أمثله على شعر المدح :

مدحه للملك فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- في قصيدته "لقاء القائد بالشعب" يقول فيها:

يا أبا خالد يحييك شعب ... حبه فيك قد أذاب فؤاده

أنت أعطيته الرعاية والعطف ... فأعطاك قلبه ووداده

أنت أعطيته السعادة والعز ... فأعطاك مخلصًا أكباده

أنت حققت حلمه وأمانيه ... وحسدت بالفعال مراده

كل يوم لنا ابتهاج وعيد ... بأياديك نهضة وإشادة

أيّ شعر يوفيك حقك والشعر ... عيي وإن أجاد جياده
أنت فوق القصيد فوق الأناشيد ... خلالا وعزة ومجاده
غير أن الشعور يتخذ الشعر ... سبيلًا إلى العلا مستجاده
وإذا الروض جاده القطر ... غني كل طير ورغردت كل غادة
عشت يا فيصل العروبة للشعب ... إمامًا وفي يديك القيادة



قصيدة "البلبل الحيران" التي أهداها الشاعر إلى صاحب السمو الملكي الأمير الشاعر المبدع "عبد الله الفيصل" قال


رُبَّ لحن جماله لا يبيد ... صاغه للقلوب قلب عميد

نحسد الطير في رباها ولا ... نعلم ماذا يكابد الغريد

ووراء السنا فؤاد شقي ... ووراء الدجى فؤاد سعيد

قلت للصادح المرفرف في ... الروض علام الأنين والتسهيد

ولك الظل والشذى والأزاهير ... نشاوي يحلو بين الوجود

والزلازل النمير والنور والنوار ... والنبع صافيًا والورود
والندى والنسيم والأفق الطليق ... ورحب من الفضاء مديد
وسماء كما تشاء وآفاق ... كما تشتهي وكيف تريد
وليس الأمس مشرق يملأ النفس ... جلالًا واليوم زاه مجيد
فشدا شاكيًا وردد صوتًا ... عبقريًّا له جمال فريد
ماج في رحبة السكون وفا ... ضت في معانيه روعة وخلود
كان "وحي الحرمان" من فيضه ... السمح ومنه أنغامه والقصيد
في طراز من البيان رشيق ... لا غموض فيه ولا تعقيد
في ثغور الحسان منه أغاريد ... ومنه على النحور عقود
وله في فم المغني أناشيد ... وفي عوده له تغريد
وهو كالماء سلسبيلًا وكالنور ... صقيلًا قديمه والجديد



غرض الطبيعة

أكثر ما يذكر السنوسي في قصيد الطبيعة هي القرية التي والد وعاش فيها فهو لا ينسى تلك القرية  ويتغنى بها من حين الي اخر في شعرة ولكن  لم يقتصر علي هذا في شعر الطبيعة بل نجد لديه كثير من ذكره لطبيعة مدن او دوال قد زرها
ومن امثلة قصائده في الطبيعة
 عودة إلى الطبيعة

قريتي قريتي الوديعةُ يا عشّ
فؤادي ويا مقرّ جناحي
طبعَ الله حبك العذب في قلبي
ولم يمحهِ سوى الله ماحي
يا ربىً لج بي هواها فما ينفكّ
نشوان من هوىً ملحاحِ
كم ترشّفت من جمال لياليك
فتوناً من الصبا والمراحِ
وتنشّقت من جلال مجاليك
فتوناً من الشذى الفواحِ
في الدجى والنجوم تغزلُ أحلام
العذارى على صدور البطاحِ
والضحى والغيوم ترسم في الوادي
ظلالاً نديةَ الأدواحِ
والنسيم النشوانُ يحتضن الزهرَ
رقيقاً كطيبةِ الفلاحِ
الذي قلبه أرقُّ من الطلِّ
وأصفى من الزلال القراحِ
والذي يزرع الحقول بذوراً
وزهوراً بهمة وكفاحِ
والذي يملأ القلوب شعوراً
بجمال الطبيعة الممراحِ
والذي يغرس النواة بكفٍّ
طبعت من بسالة وسماحِ
والذي إن أضافَ أخجلَ حتى
يحسب الضيف أنه غير صاحِ 
والذي إن أخاف أَوْجلَ حتى
لتراه كالمارد السفاحِ
قريتي قريتي الوديعة يا عش
فؤادي ويا مقر جناحي
كلما ضمني دجاكِ ورقّتْ
نفحاتُ الصبا على الأدواحِ
وانتشى الكون بالعبير وراح السيلُ
يختال في السهول الفساحِ
يغمر الأرض بالنعيم غزيراً
ويهز القلوب بالأفراحِ
نَعِمَتْ روحيَ الكئيبة بالصفو
وصحّت من الأسى والجراحِ
ربَّ كوخٍ يضمّ زوجين كالطفلين
طُهراً ورقةً كالأقداحِ
يملآن الحياة شدواً ويختالانِ
زهواً في غبطةٍ وارتياحِ
ويعيشان في هدوءٍ بريءٍ
من فُضولِ الغنى وكدّ الشّحاحِ 
نَعِما بالحياة في ظلِّ عيشٍ
أخضرٍ من قناعةٍ وانشراحِ
فيلسوفان ينظران إلى الدنيا
كما تنظر الذرى للرياحِ
يتمنى عيشيهما صاحبُ القصر
المعلى وذو الظُّبى والرماحِ

 (العنود الحربي )


..



غرض الوصف :

والوصف من الأغراض الأدبية في شعر السنوسي، نجد في ديوانه "الأغاريد" قصيدة "يا قلمي  وقصيدة "الكتاب  وفي أزاهير" نجد قصيدة "الحصان المقيد    

 يقول في قلمي:

هلمَّ إليَّ يا قلمي ... هلم فقد طغى ألمي 
فأنت إذا أشرت يدي ... وأنت إذا صرخت فمي
وأنت نجي أهاتي ... وأناتي ونبض دمي
وأنت إذا بكيت أسى ... دموعي فضن في كلمي
وأنت إذا صبوت هوى ... وغنيت الهوى نغمي
وأنت ملاذ آمالي ... إذا ضاقت بها هممي
أبثك ما أنوء به ... من الأرزاء والنقم
فتصغي لي بلا ضجر ... ولا ملل ولا سأم
حملتك في سبيل الحق ... والآداب والقيم
وكنت وما أزال بها ... رضيعًا غير منفطم
أهيم بها وإن جرحت ... مناي وحطمت حلمي
وأعشقها على الآلام ... والضراء والسقم
وأسري في ظلام الدرب ... مرفوعًا بها علمي
كما سار الدليل على ... ضياء النجم في الظلم


مع أن خصائص الوصف تقوم على تصوير ظواهر الأشياء من غير استبطان لأعماقها، وتجاوب معها، لهذا انصرف السنوسي عنه إلى الأغراض الحية النابضة ولم نجده إلَّا في ثلاث قصائد. لكن الشاعر تجاوب مع القلم وكأنه صديق له ونجيّ يناجيه إليه آلامه، فهو هواه ونغمه الشجي يبثه همومه، فيصغي إليه بلا سأم ولا ضجر، وهو خير من يحمل الأمانة في سبيل الحق والعلم والآداب والقيم، مهما لقي في سبيل ذلك من العنت والآلام وتجشم الضراء والأسقام، يسير إلى غايته مرفوع الجبين في ظلام الليل وعقبات الحياة لتحقيق الهدفhttp://cdncache-a.akamaihd.net/items/it/img/arrow-10x10.png الواضح أمامه كوضوح النجم في الظلام الدامس.

فالشاعر جعل من القلم شخصًا يحسّ ويتألم ويتحمَّل الأمانة ويدافع عنها في سبيل الحق والقيم، إنه إنسان عاقل له رسالةhttp://cdncache-a.akamaihd.net/items/it/img/arrow-10x10.png يؤديها في الحياة كالشاعر تمامًا، ولولا أنَّ القلم لا يدخل في مظاهر الطبيعة لقلنا بأن القصيدة من شعر الطبيعة؛ لما فيها من تشخيص قوي نابض، وهذه أهم سمات الوصف عند السنوسي.



(سوسن اللحياني) 

..
الغرض الوطني    



وتناول السنوسي في الشعر الوطني بناء الوطن السعودي والسمو به في منازل الرقي والحضارة، وحثَّ أبنائه على المشاركة والإسهام في التقدم، والعمل المتواصل في المشروعات الضرورية التي تدفع بالأمة إلى الرخاء والكفاية، واشتمل ديوانه "القلائد" على قصيدة "نداء " لأبناء المملكة العربية السعودية ليشاركوا في فجر النهضة، يقول في مطلعها:



بني وطني إنَّا على فجر نهضة ... تصد الدجى أنى تدجى وتصدع



ومنها:



مضى السلف الأبرار يعبق ذكرهم ... فسيروا كما سار على الدهر واصنعوا

وما الفخر بالماضي إذا لم يكن له ... من الحاضر الزاهي بناء مرفع

خذوا بأكف الأسد من أسهم العلى ... نصيبًا فإن الحاضر اليوم أوسع

يد الدهر لا تسخو بمجد لعاجز ... ضعيف ولا تندي ولا تتبرع
وما قيمة الأوطان إن لم يكن لها ... "رجال" يلوذون الشقاء لينفعوا
جرت حكمة الدنيا على الناس أنها ... تصد لمن صدوا وتسعى لمن سعوا
حصدنا الضنى لما زرعنا له المنى ... وجل حصاد المرء من حيث يزرع


وقصيدة "آل سعود في التاريخ" يشيد فيها بآل سعود وما حققوه للوطن من مجد وتقدم ورقي وحضارة بعد كفاح طويل وجهاد في سبيل الله، يقول:

عرش على الشرق للدنيا وللدين ... أشم يختال بالشم العرانين
مدعم بالهدى والحق متشح ... بالنور يسطع من وحي وتلقين
أحيا النفوس وأجرى في أعنَّتها ... روح التحرر من غل الشياطين
سما "بآل سعود" فرعه ورسى ... بهم على الدهر في عز وتمكين
أبطال معركة الإسلام في زمن ... مضرج بالضحايا والقرابين
يضمخون ثرى الأوطان من دمهم ... عطرا ويفدونها من كل "نيرون"
وينثرون على الآفاق "أمثلة" ... من الشمائل عطراء الرياحين
بعرشهم رفع الإسلام رايته ... على الجزيرة خضراء الأفانين
وأشرق الحق كالصبح المبين سنًا ... وأصبح العدل مضبوط الموازين


(دعاء مدخلي)